الغفران غير المشروط للفداء غير المحدود
دراما الصليب
الخورأسقف بولس ساتي للفادي الأقدس
نحتفل كل عام بعيد القيامة ومايسبقه من تحضيرات مادية ومعنوية وروحية، وقصدت أن أختم بالروحية لأننا لانهتم بالمعنى الحقيقي لهذا العيد، بل هذا الحدث الفريد من نوعه والذي لم ولن يتكرر بعمقه الروحي واللاهوتي والإنساني. فكرة الفداء موجودة في الحياة البشرية منذ قديم الأزل، فالكثير من الأساطير وقصص الآلهة القديمة تحدثنا عن التقادم والذبائح البشرية والحيوانية من أجل خلاص مدينة أو مجموعة من البشر مثل أساطير جلجامش والإلياذة والأوديسا وقد إرتبطت هذه القصص بالموت والقيامة.
لكن لماذا تتميز المسيحية عن غيرها بهذا المفهوم؟
الله الأزلي غير المدرك والفائق القدرة شاء فخلق العالم في لحظة معينة، فيها بدأ التاريخ البشري. الخليقة لم تأتي بهدف معين مثل المذكور في قصص الخلق عند الآلهة، بل جاء نتيجة رغبة بالمشاركة بوجود الذات الإلهية:
“وقال الله: “نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم، وعلى كل الارض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض”. فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وانثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم: “اثمروا واكثروا واملاوا الارض، واخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الارض”. وقال الله: “اني قد اعطيتكم كل بقل يبزر بزرا على وجه كل الارض، وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا لكم يكون طعاما. ولكل حيوان الارض وكل طير السماء وكل دبابة على الارض فيها نفس حية، اعطيت كل عشب اخضر طعاما”. وكان كذلك.” (تك 1: 26-30)
رغبة الله بمشاركة الإنسان بكل ماصنع وإعطائه السلطان على النفس والزرع والماء والحجر فإن دل، فإنما على الحب اللامتناهي من قبل الله للعالم الذي خلقه وسلمه للإنسان:
“لانه هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الابدية.” (يو 3: 16)
فالله بمحبته غير المتناهية وغير المحدودة دبر الخلاص للإنسان العاصي والمتكبر الذي جرب الله وقارن نفسه به: المخلوق يتحدى الخالق بالعقل والجسد اللذان وهبا له من قبل الله.
الغفران غير المشروط الذي منحه الآب بكفارة إبنه على الصليب هو إمتداد لحب الله للإنسان. الموت الكفاري جاء على الصليب من دون علم أي أحد بأن مايحصل هو كفارة عن خطايا البشر وعقاب للشيطان:
” فقال يسوع: “يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون” ( لو 23: 34 )
يسوع لم ينصاع لتجارب الشيطان الذي أغوى الناس الحاضرين في موضع الصلب بأن ينزل عن الصليب ليؤمنوا به، بل بقي إلى النفس الأخير طائعاُ للآب وقدم نفسه ذبيحة مرضية أمام الله الآب.
“لينزل الان المسيح ملك اسرائيل عن الصليب لنرى ونؤمن.” (مر 15: 32 )
من صرخ وأنكر وتهكم كان جاهلاً بأن مافعله يسوع كان غفراناً غير مشروط وفداءاً كاملاً لاغش فيه. الفداء على الصليب لم تصاحبه حفلات فرح مثل مايحصل عند الوثنيين أو حتى صلوات مثل مايعمل اليهود، بل جاء مكملاً للتجسد والميلاد بصمت، لكن وسط صخب العالم غير المدرك لوجود الله.
موت يسوع الكفاري يوصف لدى دارسي اللاهوت “بدراما الصليب” عندما أقوم بعمل يسبب خلاص كثيرين من دون أن يعملوا أويشاركوا في حمل هذه التضحية. لذلك قدم المسيح هذه الكفارة لكي تكون ذبيحة أبدية مقبولة لدى الرب:
ثم قال: “هاأنذا اجيء لافعل مشيئتك يا الله”. ينزع الاول لكي يثبت الثاني .فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة. (عب 10: 9-10)
من هذا المنطلق وعند فهمنا لأساس الذبيحة الإلهية غير الدموية نقدر أن نحتفل بعيد القيامة كمعيار الفداء الغير المحدود. شجرة معرفة الخير والشر التي جلبت المعرفة الشيطانية وأثارت شهوات الجسد والتي صنعت منها أبواب الجحيم التي أدخلت الموت للعالم، قد كُسرت بخشبة الصليب وبه غُلبت شوكة الموت وغُلبت الهاوية:
“اين شوكتك يا موت؟ اين غلبتك يا هاوية؟” (1 كور 15: 55)
ليكن مفهومنا للقيامة روحي متجدد ونطلب دوماً من رب المجد أن يجعلنا نأكل من ثمر شجرة الحياة.
المسيح قام حقاً قام