لماذا اخترتُ أن أكون كاهناً في الكنيسة الكلدانية
الأب يوسف (خوسيه) ايمانويل مرتينيز كوميز
كثيراً ما يسألونني في اسبانيا، لماذا ذهبتُ الى العراق لأصبح كاهن في الكنيسة الكلدانية، فأجيبهم: اسألوا الروح القدس، هو الذي أخذني إلى هناك. ويتكرر نفس السؤال في العراق: لماذا كاهن كلداني، إذ ثمة حاجة في إسبانيا إلى كهنة؟ وإجابتي هي: في العراق حاجة الى الكهنة أيضاً، وإذا لم أذهب أنا، هل تذهب أنت؟ فطرق الله ليست طرقنا… لقد أعد الله لكل واحد منا طريقاً هو مستقبله. البعض يرى طريقه واضحاً جداً منذ البداية وآخرون “مثلي” يحتاجون إلى الوقت ليكتشفوا العلامات التي يضعها الله على طول الطريق ليتقدموا إلى الأمام.
شعرتُ منذ شبابي بالدعوة للكهنوت، لكن لم أكن متأكداً إلى أين يريدني الله أن أذهب لأصبح كاهن. عندما اكتشفتُ المسيحية الشرقية وأحببتها، فقلتُ في نفسي: أريد أن أعيش وأحتفل كل أيام حياتي بهذه الليتورجيا. فغَدَت حياتي كلّها بحث عن كيفية جعل هذه الفكرة حقيقة واقعة.
قالت القديسة تريزيا الطفل يسوع أن الله يضع في قلبنا الرغبة بما يريد أن يقدمه لنا، والله وضع في قلبي هذا الشعور منذ زمن بعيد. لذلك استغرق البحث وقتاً طويلاً. حاولتُ فيه هنا وهناك، حتى وجدتُ مكاني الحقيقي.
قال البابا يوحنا بولس الثاني أن الكنيسة تتنفس برئتين: الشرقي والغربي، وهما متميزان ولكنهما متكاملان، وهما يجعلان الكنيسة تمشي حاجَّةً الى الأمام بانتظار استقبال ربنا يسوع المسيح.
المسيحية الغربية أكثر تنظيماً، عقلانية وأكثر ترتيباً. لاهوتها وروحانيتها يقودهما العقل، بينما المسيحية الشرقية (فيما يتعلق بما عشته حتى الآن) أكثر عاطفية (القلب) ، وأكثر عفوية، و رمزية وبساطة
نحن نعيش أوقاتاً عصيبة، في الشرق والغرب، وتختلف التحديات التي تواجه المسيحيين في الشرق والغرب.
الغرب يمر في أزمة تراجع ورفض الإيمان، لأن البلدان التي كانت في السابق كاثوليكية وحاولت نقل الإيمان إلى بلدان أخرى في العالم، مثل بلدي، إسبانيا، تعيش اليوم أزمة إيمانية كبيرة. انخفض عدد المسيحيين الملتزمين بشكل مدهش لكن، الحمد لله، الإيمان محفوظ حتى الآن. في الشرق، خاصة في العراق، بعد زمن الاضطهاد يوجد الآن تمييز. معركة اليوم هي من أجل الحقوق الأساسية للجميع، وخاصة حرية العبادة والضمير. أنا مقتنع بأنه سيتم تحقيقه، رغم أنه سيستغرق وقتاً. على الأرجح سنخسر الإيمان في الشرق إذا لم نكن ساهرين عليه، كما حصل في الغرب، لأن العالم اليوم معولَم.
الكاهن يرافق الناس في رحلتهم ويجعل مملكة السماء حاضرة، خاصة في توزيع الأسرار (الإفخارستيا بشكل أساسي) وفي موعظته يُذكّر الجميع بأن غايتنا هي بلوغ الحياة الأبدية. إن شاء الله، نجتمع جميعاً، دون قيود، أمام الله لنسبحه إلى الأبد. هذا هو دور الكاهن، مرافقة شعب الله بجعله حاضراً في وسطهم. الكهنة يقومون بدور المسيح الرب.
إن خصوصية الكنيسة الكلدانية، المنتشرة في العديد من البلدان والقارات، تتمثل في إرسال كهنة لخدمة الكلدان المنتشرين في العديد من البلدان (بلغات و ثقافات مختلفة) مع الحفاظ على الارتباط المباشر بالكنيسة الأم في العراق. لهذا السبب لا أعتقد أنه من الغريب في المستقبل رؤية المزيد من الكهنة الغربيين بين أعضاء الكهنة الكلدان. ستثري الكنيسة الكلدانية أجيالاً جديدة، من المولودين في الشتات، في ثقافات أخرى ولغات أخرى.
يهب الروح القدس حيث يشاء ويدعو المختارين.