الولادة الجديدة… ضرورية للكبار قبل الصغار
المطران فيليكس سعيد الشابي / زاخو
مقدمة: في الفصل الثالث من انجيل يوحنا، نقرأ عن زيارة نيقوديمس ليسوع في الليل حيث ياتي الاخير طلبا للاستنارة ليضيء له يسوع دربه من خلال تعليمه، لانه يبحث عن اللـه وعن ملكوته… (راجع: يوحنا: 3: 1- 21).
الولادة الجديدة: كلمات نطقها الرب يسوع في هذا النص اليوحنانوي، ولكن بالحقيقة لا هذا المقال، ولا كتابات المفسرين الكثيرة، توفي حقها، لان يسوع قال: “الكلام الذي كلّمتم به روح وحياة” (يوحنا 6: 63). كلمات لم يفهمها المعلم نيقوديمس الفريسي. فيقوم يسوع بشرحها له: المولود للملكوت هو المولود للروح… وعلينا ان نولد من جديد لندخل الملكوت… اين ان نضبح اولاد الروح لا اولاد الجسد…
صعوبة تقبّل التغيير: كان الفريسيون من الكهنة، وكانوا متبحرين بالكتاب المقدس، وعلماء بالدين. ومن المعروف الى اليوم، بان تتجمع مواهب الحكمة والعلم والفهم والدراية عند كبار السن، بسبب ثقافتهم، ووقارهم، وخبرتهم الطويلة… الا ان للقاعدة شواذ! فرؤساء الفريسيين وكبار الكهنة مثلا، هم الذين اخذوا القرار الخاطيء والظالم بقتل يسوع البار وايقاف صوته. فمالوا الى جهة الظلم عوض الخير، والى التزوير والبهتان عوض الحق والحقيقية… “النُّورَ جاءَ إِلى العالَم، ففضَّلَ النَّاسُ الظَّلامَ على النُّور، لأَنَّ أَعمالَهم كانت سَيِّئَة”… لان مصالحهم تضاربت، ومراكزهم اهتزت، بكرازة يسوع واعلانه للحق بوجههم الى النهاية… ولكن ليس جميعهم، لان نيقوديموس مثلا وغيره كثيرين ايضا لم يكن موافقين لهم!
قوانين التغيير: يصعب على الكبار عادة، اكثر من الصغار والشباب، تقبّل وتبّني التغيير. في حين نجد بان التغيير او التجديد يكون اسهل في الكنائس مع الجوقات منه مع الشمامسة، لان معظم اعضائهم هم من الشبيبة. والشبيبة لا مانع لديها من التجديد، لا بل انهم يستسيغونه ويستطعمونه اكثر، لان من طبع الشباب القبول بالتحدي، او احيانا كثيرة البحث عن التحدي، ليثبتوا جدراتهم فيه.
نفس المبدا ينطبق على جميع مرافق الحياة الكنيسة، فمعظم النشاطات الكنسية تتم عادة بالاعتماد على الروح الشبابية، المولعة بخدمة الكنيسة، والبحث عن كل جديد، رغبة في جذب الاخرين الى المسيح.
لا يرقع الثوب القديم برقعة جديدة (متى 9: 16): مع يسوع يصبح التغيير والتجديد رمزا وضرورة للحياة الحالية، لا بل وخاصة لدخول الحياة الابدية. فعدم التغيير يعني الجمود والموت: “اللـه ليس اله اموات بل اله احياء” (متى 22: 32).
الكنيسة والتجديد والاهتداء: بالاظافة الى الكتاب المقدس، يدعونا المجمع الفاتيكاني الثاني، وكتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الى ضرورة التجديد والتجدد المستمر والبنّاء هو علامة على الاهتداء لديمومة وضمان صحة الجسم الكنسي وتوازنه ووحدته:
“تجدد متواصل للكنيسة، في امانة اكبر لدعوتها، وهذا التجدد هو من اختصاص الحركة نحو الوحدة” (فقرة 821)،
ومن شروط التجدد هو التوبة: “الكنيسة… لا تني عاكفة على التوبة والتجدد” (فقرة 827).
“والواقع ان نداء المسيح الى الاهتداء لا يزال يدوي في حياة المسيحيين. وهذا الاهتداء الثاني، مهمة مستمرة لا تنقطع في الكنيسة كلها…” (فقرة 1428).
خاتمة: الكنيسة في عالم اليوم، في خضم ظروف الحروب والازمات الاقتصادية والاجتماعية والهجرة… مدعوة لتكون شاهدة وشهيدة لعصرها وحاضرة في المجتمع… وعليها واجب ومهام التثقيف المباشر لابنائها وخاصة من الشبيبة، ليكونوا اكثر استنارة ومعرفة، انسانيا وعلميا ودينيا، لانهم هم اللذين سيحملون شعلة الايمان اليوم وغدا وللاجيال المقبلة. متجاوبين مع دعوة الانجيل لنا بالاهتداء، للغوص في بحر الحياة عكس تيار العالم وروحه المادية.