سِفر يونان (الباعوثا) رسالة نبوية للانفتاح لا للعنصريّة، للسلام لا للحرب
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
يحمل سِفر يونان رسالة متوازية في منتهى الوضوح لتجنب خطرين أساسين للبشرية: العنصرية، الاصولية الدينية والقومية، والحرب وحب السيطرة. تتدرج كل المشاهد باسلوب مسرحي الى إعلان التوبة. ونرى آية يونان في كرازة يسوع ودعوته الى التوبة (متى 12/ 40-42).
يونان بطل الرواية يهودي اصولي متطرف وأناني، يُظهر الكاتب ذلك من ردّات فعله: تمرّده ورفضه الذهاب الى نينوى لأنها في عقيدته مدينة وثنية عدوَّة غزت مملكة اسرائيل نحو سنة 740 قبل الميلاد.
في قراءة لاهوتية معمقة للسِفر، نجد ان للكاتب رؤية نبوية إيمانية ومنطقية لدعوة النبي، وللدور الهام الذي ينبغي ان يلعبه في إشاعة ثقافة الانفتاح على كل الشعوب كجزء من تصميم الله الخلاصي. هذا ما فهمته الكنيسة المسيحية منذ تأسيسها وعاشته.
يوجّه الكاتب المُلهَم كلامه الى يونان “النبي” من خلال حركات مسرحية للذهاب الى نينوى (المدينة العظيمة) لكي تتوب عن حروبها وتكف عن الاستيلاء على جيرانها…
أحداث الِسفر التي ترسم ردات فعل يونان: من الهَرَبْ الى الاتجاه المعاكس، ثم طاعة أمر الله بالعودة الى نينوى للوعظ، واستجابة سكان نينوى قاطبة الى التوبة والتغيير، وغضب يونان من الله وطلبه الموت لأنه كان يتمنى ان يمحو نينوى من الوجود، وقول الله ليونان: لقد أشفقتَ على نبتة الخروع الذي يبس، أفلا أشفق انا على نينوى؟” (4/ 10-11)، وجواب يونان: “علمتُ انكَ الهٌ رؤوف غفور وكثير الرحمة”، لينتهي السِفر بتوبة نينوى الوثنية….، وتوبة يونان في النهاية، مما جعل مار أفرام يكتب في ميمر (مقالة) عن الباعوثا: “يونان ونينوى نموذج للتوبة”. الخلاصة أن الله الرحوم والغفور أبعد واقوى من هذه العقلية المتطرفة التي لا تعدُّ انتصارا … هذا ما ينبغي ان يفهمه المتعصّبون الدينيون والقوميون الذين يقسموا البشر على فكرهم.
هذه الرسالة النبوية حاضرة اليوم وضرورية للعالم أجمع، خصوصاً أن الاصولية الدينية والقومية متفاقمة في الكثير من الدول، والعنف والحروب مستمرة تهدد السلم العالمي.. اوكرانيا وروسيا، اسرائيل وفلسطين، واليمن والوضع غير المستقر في العراق وسوريا ولبنان.
العِبرة من السِفر أن يتم كل شيء بالانفتاح والمحبة وليس بالكراهية أو بالسلاح والسيطرة…
رجائي أن صومنا يجلب السلام للعالم..