خبرة 10 ساعات في ملعب البصرة
المطران باسيليوس يلدو
من الخبرات التي عشتها وستبقى في الذاكرة يوم الخميس 19 كانون الثاني 2023 اثناء تواجدي في ملعب جذع النخلة بمدينة البصرة اثناء مباراة العراق وعمان على نهائي كاس الخليج العربي بنسخته 25 والتي كانت خبرة جديدة وفريدة من نوعها.
انطلقنا يوم الاربعاء مساءً بالقطار من المحطة العالمية في بغداد متوجهين الى البصرة وكانت الجموع تصعد من المحطات التي يتوقف بها (المسيب والديوانية والسماوة والناصرية …) ويجلسون في ممرات القطار بدون كراسي رغم البرد لحضور المباراة.
وبمجرد وصولنا الى محطة البصرة في الساعة 4:30 فجرا سمعنا نداء الباصات متوجهة الى الملعب وذهب العديد من الركاب معهم، اما نحن فتوجهنا الى مطرانية الكلدان في العشار، شارع الاستقلال ضيوفا عند سيادة المطران حبيب النوفلي.
وما ان وصلنا هناك حتى تفاجئنا بوجود وفد اكثر من 40 شخص قادمين من تللسقف مع الاب كرم قاشا في باص كبير استغرق ما يقارب 17 ساعة في الطريق وعندما سألنا عليهم قالوا بانهم توجهوا الى الملعب منذ الساعة 3:30 فجراً، يعني قبل وصولنا؟
بعد تناول وجبة الفطور في المطرانية توجهنا الى فندق هوريزون مقر اقامة المنتخب العراقي للقاء المدرب خيسوس كاساس ومساعده اليخاندرو الذين وعدونا بالتذاكر وفعلا حصلنا عليها من الكابتن مهدي كريم ثم غادرنا الفندق نحو الساعة 9 صباحا، مع نصيحة الكثير لنا بالذهاب فورا الى الملعب للحصول على المقاعد وبعد ساعة ونصف توجهنا الى طريق ملعب جذع النخلة الذي كان مزدحم جدا بالسيارات وبعض الشوارع مغلقة مما اضطررنا الى ركوب التوكتوك والسير بعدها على الاقدام.
المفاجأة الكبرى كانت عندما وصلنا بالقرب من المدينة الرياضة (ملعب جذع النخلة)، الاف من الجمهور يسيرون في الطرق الترابية والطينية للوصول الى بوابات الملعب التي كانت مغلقة الى الساعة 12 ظهرا وبمجرد فتحها اصبح التدافع بين الجماهير غير طبيعي والعديد منهم اغمى عليهم واخرين وقعوا وعند وصولنا للبوابة الاخيرة بعد معاناة كبيرة وجدنا الملعب ممتلئ بالجمهور ولا يوجد لنا مكان رغم حصولنا على تذاكر مميزة واخيرا خصصوا لنا مكان قرب منصة المعلقين، وبقينا ننتظر بداية المباراة أكثر من 7 ساعات في الملعب جلوساً بلا طعام ولا شراب ولا حمام فلا نستطيع الحركة من مكاننا فسعة الملعب 65 الف متفرج واتصور كنا اكثر من ذلك بكثير حتى بين الممرات كانوا جالسين ! فعندما كنا ننظر الى المُدرجات، لا نرى مكان واحداً فارغا.
ما شد انتباهي حماس وهتاف الجماهير الكبير الذي كان يهز الملعب ولهم ارفع قبعتي، رغم الارهاق الشديد والتعب والعطش والجوع بقوا في الملعب اكثر من 10 ساعات ولم يتركوا أماكنهم ويغادرون دون مؤازرة منتخبهم، والشيء الثاني الذي لفت انتباهي هو الجمهور المتنوع والمتحمس بكل مكوناته من المسلمين والمسيحيين والاكراد والتركمان والصابئة والايزديين …، فضلا عن مشجعين من الدول العربية، فهذه البطولة جمعت من جديد الاشقاء العرب وكانت رمز لوحدتهم ومحبتهم ايضاً.
بالحقيقة طيبة العراقيين وخاصة اهل البصرة ورغبتهم بالحياة وفرحتهم كانت أهم من البطولة كلها. الاجواء الرائعة بكورنيش شط العرب اضافة رونقا جديدا للبطولة
واخيرا الف الف مبروك للعراق وشعبه، فعلا كان بحاجة الى هذا الفوز ليتوحد ابنائه، فقد شاهدنا كل العراقيين يحتفلون بفوز المنتخب من الشمال الى الجنوب متخطين الديانة والقومية والمذهبية، هذا هو العراق الذي نعرفه! عاش .. عاش.