خطورة البقاء في ” تاريخ “باعوثا نينوى!
لنكرس صومنا هذا العام من اجل السلام
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
سِفْرُ يونان كتب نحو سنة 400 قبل الميلاد، بينما النبي التاريخي يونان بن أمتاي، كان موجوداً في زمن الملك يربعام الثاني (783-743 قبل المسيح). يحتوي سِفْرُ يونان على لائحة روايات غير تاريخية: هرب يونان من الرسالة الى اتجاه معاكس، العاصفة والحوت الذي ابتلعه، طاعة يونان بالذهاب الى نينوى المدينة الوثنية العظيمة (هذه المدينة لم تكن موجودة حينها لانها دُمِّرتْ سنة 612 قبل الميلاد)، الكرازة عن التوبة وصيام الملك (نمرود بحسب مار أفرام؟) وحاشيته، والسكان والحيوانات، غضب يونان من توبة نينوى ومغفرة الله لهم، الخروعة التي حمت يونان من حرارة الشمس..
هذه اللوحات تعليمية – تربوية غزيرة المعنى. ارسال نبي يهودي الى نينوى الوثنية يشير الى انفتاح اليهود على الوثنيين، واعتبارهم جزءً من تصميم الله الخلاصي، وأن اليهود “شعب الله” ينبغي ان يفتحوا اُفقهم وقلبهم على الآخرين وأن يكونوا لهم شهوداً لمحبة الله ورحمته غير المحدودة.
قام آباء الكنيسة في القرون المسيحية الأولى بتفسير الكتاب المقدس من أجل توجيه المؤمنين وارشادهم الى الطريق الصحيح، من دون ان يتطرقوا الى الحقيقة التاريخية لهذه الاسفار، لان لم تكن لديهم التقنيات الحديثة والاكتشافات العلمية التي لدى متخصصي الكتاب المقدس اليوم. ولتوعية المؤمنين بما ذكرته.
قمنا بنشر مقالٍ علمي عن سفر يونان، ترجمه عن الفرنسية المطران جرجس القس موسى ضمن كتاب سفر الانبياء/2، الموصل 2022.
تاريخيًّا البطريرك حزقيال (570-581) هو أول من دعا الى الصيام أمام انتشار وباء الطاعون في بلاد ما بين النهرين ووفاة أناس عديدين. نظم توبة جماعية للصيام والصلاة لمدة ثلاثة ايام، من أجل ان ينتهي الوباء، مستفيداً من رسالة سفر يونان وتوبة أهل نينوى.
الطقس الحالي (الليتورجيا)
يشمل طقس الباعوثا الذي رتَّبه وأقرَّه البطريرك ايشوعياب الثالث (649 –659) على قسمين: القسم الأول يحتوي على صلوات يتلوها الكهنة، ومزامير مع ردّات وترانيم “عونياثا” وتسابيح وطلبات يرتّلها الشمامسة والحضور.
أما القسم الثاني فيضم مداريش وميامر (نصوص شعرية شجية) تأملية مقتبسة من الآباء خاصّة مار افرام ومار نرساي، وبركات تحّث على التوبة والإقلاع عن الخطيئة اقتداءً بأهل نينوى والعيش في النعمة والمحبة. هذه التراتيل الشعرية الجميلة لا تزال معبِّرة ومؤثِّرة. يقول مار افرام في الميمر الأول للباعوثا: “ان يونان ونينوى نموذج للتوبة”.
هذه الصلوات صالحة لزماننا، شرط ان يتم ملاءمتها للمناسبة. كنت قد أعددت كرّاسا بالعربية للباعوثا نستعمله في بغداد حتى اليوم، يمكن العودة اليه واجراء رتوش جديدة.
بلاغات الباعوثا
تحمل ليتورجيا الباعوثا بَلاغات مهمة موجهّة إلى المؤمنين في مسيرتهم التوبوية:
- الانفتاح على العالم، والتواصل مع كلِّ الناس، لخدمتهم معنوياً ومادياً.
- إذا كان أهل نينوى قد تابوا فكم بالأحرى على المسيحييّن أن يتوبوا ويسعوا ليتطابق سلوكهم مع إيمانهم. عدم توبتهم شك كبير.
- كما خرج يونان من التعصب الديني والقومي للدعوة إلى نبذ الشر وتوطيد قيم السلام والمحبة واللاعنف، هكذا على المسيحيين ان يكونوا نموذجاً لترسيخ السلام والأمان والاُخوّة والمحبة والعيش المشترك في بلدانهم.
- على نينوى “رمز الأمم المُحِبّة للحرب والعنف” نبذ أسلوب الحرب والعنف الذي يهدد الأمن العالمي، هكذا على المسؤولين الحفاظ على البيئة واستدامتها، والسعي لتحقيق السلام والاستقرار في العالم، واحترام الحياة، وضمان كرامة الانسان وحقوقه.
كيف الاستفادة من الباعوثا اليوم؟
اعتقد على الكنيسة الكلدانية والكنائس الاخرى التي تمارس صوم الباعوثا ان تبحث عن مناسبة مهمة لتكرس لها صيام باعوثا، وتوجيه المؤمنين للصيام من أجل الحصول على التغيير بنعمة الله. كنا قد كرسنا عام 2020 على نية الخلاص من وباء كورونا. هذه السنة ادعو الكلدان الى تكريس صومهم وصلاتهم من أجل السلام في منطقتنا وبين أوكرانيا وروسيا حيث السلام العالمي على حافة الانهيار
تشبــوحتــا “تسبحة” اليوم الاول
بدموعٍ وحسراتْ
كُن هادياً لخطانا
لسنا أبراراً نُرضيكَ
تُسَبَبُ في دنيانا
نَجِنا مِنْ كلَّ الفِتَنْ
أيقِظْ فينا ضَميرَنا
لِنعملْ مشيئتَكْ
نَدعوكَ ربَّنا الكَريمْ
أنرْ دربَ حياتِنــا
آثامُنا تتفاقَــمْ
الخِصامَ والاضطرابْ
ضَعْ بيننا سلامَك
نحوَ الحق والمحّبْة
بسرورٍ كلَّ الأيام إلى الابد