توضيحاتٌ بشأن إيمان الرسل ومفهومِ الاكليزيولوجيا!
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
كتب بعض الآشوريين في المواقع الإلكترونية معبّرين عن مخاوفهم من الحوار المسكوني مع الكنيسة الكاثوليكية، مشترطين ألّا يكون: “على حساب الإيمان الذي تسلَّمته كنيسة المشرق من الرسل..” (الشماس اخيقر يوحنا/ موقع عينكاوا).
وراح الناشط الآشوري نيسان اُوشانا الى أبعد من ذلك قائلاً: “ان المؤمنين في كنيسة المشرق يعلمون جيدا، أن أي وحدة تعمد الى تحييد العقائد المسيحية الرسولية وعلى رأسها دور مار بطرس الرسول أحد تلاميذ المسيح الذي حمل الايمان المسيحي الى وادي الرافدين عام 33م، ودوره في بناء ثالث كنيسة على وجه الأرض وهي كنيسة كوخي، ليست وحدة من الاساس بل محض سراب” (موقع عينكاوا).
اعتقد ان هذه الآراء تمثل وجهة نظرهما الشخصية وليست وجهة نظر كنيسة المشرق الرسمية. وردي البسيط والواضح بكل محبة واحترام هو:
- للشماس اخيقر: ان كنيسة المشرق ليست وحدها التي حافظت على إيمان الرسل، إنما كل الكنائس الرسولية تسعى لحماية “وديعة الايمان” ونقلها، ولا ترغب في طمسها، والا ليست رسولية! ايمان الرسل نجده في اسفار العهد الجديد المعتمد في جميع الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والبروتستانتية وليس فقط في كنيسة المشرق الاشورية!
كل البيانات المشتركة بين الكنائس تؤكد على وحدة الايمان، لكن في تعبير لغوي مختلف. وتشير جميع الدراسات اللاهوتية الرصينة الى ان القواسم الإيمانية مشتركة في العمق، لكن العقبة هي في مفهوم السلطة – الرئاسة!
- للناشط نيسان: بعد تأكيدي لمرات لا تحصى، أقول الآن أيضاً أن مار بطرس لم يبشّر بلاد النهرين (وقد إستشهد مصلوباً سنة 64 بروما)، بل من بشَّرها هو مار توما الرسول في طريقه الى الهند. عملياً من أكمل التبشير وأسس الجماعة الكنيسة الاولى هما التلميذان اداي وماري.
اما ورود كلمة بابل مرة في الرسالة الاولى لبطرس (5/ 13) وأربع مرات في سفر الرؤيا (14/ 8،17/ 5،16/ 19 و18/ 9)، فهي بحسب علماء الكتاب المقدس إستعارة رمزية تشير إلى ما تعرضت له الكنيسة من اضطهادات في روما، وليست اشارة حقيقية الى بابل، التي كانت خَرِبة وخالية من السكان. كذلك لم يأت بطرس الى بلادنا سنة 33م، وعن الادعاء ان كنيسة كوخي بنيت في هذا التاريخ، نقول أن هذه معلومات مغلوطة. لا أعرف من اين استقاها السيد أوشانا؟
هذه المزاعم بعيدة عن الدقة التاريخية والمعرفة اللاهوتية، قد تكون وراءها عقلية قومية مهيمنة.
هذه الطروحات الواهية لن تساعد على الحوار وتقريب وجهات النظر بين الكنائس التي تحرص على الوحدة، والحفاظ على ما تبقى من المسيحيين في العراق والشرق، والاهتمام بصعوباتهم الحياتية.
جوابي لقداسة البطريرك مار آوا الثالث
في مقابلة مع قداسة البطريرك مار آوا الثالث اجراها معه الاعلامي الكاثوليكي الايطالي جاني فالينتي Gianni Valente في 5 كانون الاول 2022 نشرت على موقع فيديس الفاتيكاني رفض قداسته مصطلح الاتحادية(uniatismo). وعن سؤال حول مبادرتي للتقارب والوحدة بين الكنيستين. أجاب ما نصه بالايطالية”
“Questa procedura non mi sembra percorribile. La strada è quella di ritrovare le radici della Chiesa d’Oriente, risalire a prima del 1552, vedere quale era l’ecclesiologia condivisa nel momento della separazione”.
الترجمة: “هذا الإجراء لا يبدو ممكنًا بالنسبة لي. وإن السبيل في إعادة اكتشاف جذور كنيسة المشرق، هو العودة إلى ما قبل عام 1552، ومعرفة ما كانت عليه الإكليزيولوجيا المشتركة في وقت الانفصال”.
لستُ هنا بصدد المناقشة اللاهوتية والتعقيب، إنما ومن باب مسؤوليتي في الشركة التامة مع الكنيسة الجامعة وخليفة مار بطرس اُؤكد ان ثمة فرقاً كبيراً بين الإيمان واللاهوت وبين القوانين والطقوس، مع ضرورة التمييز بينها وعدم الخلط.
أسأل قداسة مار آوا الثالث: ما هي اكليزيولوجيا كنيسة المشرق قبل 1552 التي تطالب الكلدان الكاثوليك بالعودة اليها؟ وهل تختلف هذه الاكليزيولوجيا عن اكليزيولوجيا الكنائس الرسولية الاخرى؟ اعتقد ان قداستك لا تريد العودة الى مفهوم توريث الرئاسة (في العائلة الأبوية) التي دامت لاكثر من ستة قرون وانتهت سنة 1975 باغتيال قداسة البطريرك مار شمعون ايشاي 21، والتي بسببها إنقسمت كنيسة المشرق وإتَّحدت “الكنيسة الكلدانية” بروما.
عندما تم الاعلان الكريستولوجي المشترك 11/11/1994 بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الآشورية بعهد قداسة البطريرك الراحل مار دنخا الرابع، اقرَّ الجانبان بالإيمان العقائدي واللاهوتي المشترك، مع تفهم ما يقصده أي من الجانبين في الافصاح التعبيري(اللغوي)عن إيمانه.
إن الحوار الوحدوي يبقى اُمنية المسيحيين بعد ما شهدته كنائسنا من تراكمات ثقافية وطقسية واجتماعية وتأثيرات قومية. وفيما يأتي اعرض بعض التطلعات عن مسيرة الحوار.
- يستنير طريق الحوار بروحانية النوايا المسيحية الصادقة والواضحة، وبالتواضع المتبادل، خصوصاً ان آثار الانقسامات على المسيحيين وجودية مُقلقة!
- التطبيق بشكل جاد لمنهجية علمية، وإعتماد التوعية المفعمة بالمحبة، وليس العواطف والشائعات والتقليد الدخيل.
- يجب ان تكون لدى الكنائس المتحاورة القدرة والشجاعة على مواكبة التغييرات في عالم اليوم، وان تتبلور عندها رؤية وخطة للتكييف مع المستجدات اللاهوتية والكنسية والليتورجية والتشريعية، والا سيكون احفادنا لا اُباليين، ومن هم في المهجر سيخسرون بشكل متزايد إيمانهم ولغتهم وتراثهم.
أخيراً أقول إن التاريخ معلّم عظيم، علينا الاستفادة منه عبر الاهتداء الى القيم الانجيلية.