سلسلة مقالات عن الليتورجيا الكلدانية
المقالة 2 – ريازة (هندسة) كنيسة المشرق الكلدانية – الاشورية
الكاردينال لويس روفائيل ساكو
لا يوجد تصميم عام للمظهر الخارجي للكنائس الكلدانية. القديمة منها بابها كبير مثل ابواب بيوت العبادة لدى الديانات الاخرى كما نشاهدها في مدينة الموصل.
للكنيسة قبة واحدة أو اثنتان على شكل بيضة، ولربما تسمية الكنيسة بالبيعة والجمع بِيَع، تأتي من السريانية – البيضة لان منظر القبة بيضوي!
قبة كنيسة أم الاحزان ببغداد
طراز بعض كنائسنا غربي بالنسبة للبناء الخارجي، واخرى بمظهر بوابة عشتار لابراز الهوية الكلدانية. اتمنى ان يعتمد هذا التصميم في الكنائس الجديدة من الان فصاعدا، كما الحال بالنسبة للكنائس الارمنية التي يمكن تمييزها بسهولةً لأن بناؤها الخارجي موحد.
المنظر الخارجي لكنيسة الانتقال في بغداد
غالباً ما تكون كنائس المدن عالية الجدران وسميكة لأسباب بيئية وامنية. اما كنائس القرى القديمة فهي أشبه بقاعة مستطيلة صغيرة، والأبواب واطئة.
يذكر ابن العبري عن البطريرك ماري الثاني بن الطوبى (987 – 999): “انه شيّد بناءً عجيباً في الهيكل، وفي القلّاية”1. لعلًّه يشير بذلك الى كنيسة “اصبغ” التي شيّدها في زمن الخليفة شرف الدولة البويهي في بغداد في منطقة دار الروم 2 الواقعة شرقي الصليخ حيث كان المقر البطريركي في تلك الفترة.
اما البناء الداخلي، فنُظّم وفق متطلبات تأدية الطقوس والصلوات. تطورت هندسة البناء الداخلي على مر السنين بحسب الظروف التي لم تكون دوماً مستقرة ً. ريازة كنسية المشرق الاشورية والكلدانية واضحة المعالم، متأثرة بريازة هيكل اورشليم والمجمع اليهودي لاعتناق عدد كبير من يهود بين النهرين المسيحية في بداية التبشير بالانجيل.
نشاهد داخل الكنائس القديمة في المدن الكبرى فناً جميلاً وقطع مرمر عادي او معشَّق وزخرفة بأشكال فنية رائعة خصوصاً الصلبان وكتابات بالسريانية او العربية منقوشة عليه او على الجص الابيض، اذكر على سبيل المثال في كنائس شمعون الصفا و”الطهرة” حيث نظمت طقوس كنيسة المشرق، وكنيسة مسكنته في الموصل وام الاحزان في بغداد.
البناء موجَّه نحو الشرق” القِبلة” نحو المسيح “المُشرق من العَلاء” (لوقا 1/ 78). ويؤدي المؤمنون الصلوات نحو الشرق الذي يحمل طابع الرجاء بعودة المسيح ثانية من المشرق (متى 24/ 27). فلاهوت كنيسة المشرق وروحانيتها هو الرجاء العظيم .
في صدر المبنى الداخلي يقوم قدس الاقداس، والمذبح الملوكي يتوسط الحائط ملتصقاً به، ويعلوه صليب مشرقي من دون مصلوب وفوق المذبح يوضع بيت القربان. ويسمى المذبح احياناً بالمائدة أي القربان. يَحجب قدس الاقداس الستارة من قماش كما كانت في كنيسة مسكنته او بباب خشبي انيق كما في كنيسة الطهرة بالموصل. ويسمى بالسريانية واصل الكلمة يوناني، تعني الباب، ولفتحه توجد ترتيلة تسمى قنكي يتبعها ترتيلة لاخو مارا، فيندمج من هم في قدس الأقداس (رمز السماء) بمن هم في البيم وصحن الكنيسة (رمز الأرض) لتسبيح الله.
الستارة في كنيسة مسكنته في الموصل3
يعلو قنديل مشتعًل في وسط الهيكل يسلّط عليه الضوء لحضور المسيح فيه، لنحتفل به، ونكرمه ونقتدي به.
أذكر انه كان يوجد خلف الستارة في كنيسة مسكنته بالموصل كرسي (عرش) الاسقف مع مظلة حمراء، لكنها رفعت حالياً من جميع كنائسنا.
على يسار قدس الأقداس يقوم بيت المعمودية الذي يحتوي مذبحاً صغيراً وجرنأ عادة من المرمر.
جرن معمودية قديم في كنيسة شمعون الصفا في الموصل
وعلى الجهة الثانية (اليمين) توجد غرفة الخدمة ( – الشماس) يستخدمها الشمامسة لإعداد لوازم الاحتفال. وبجانبها بيت الشهداء martyrium حيث ذخائر الشهداء يكرّمها المسيحيون بتطواف وتراتيل خاصة صباحاً ومساءً. تقول ترتيلة لشهداء رمش الاربعاء: “: أنتم كنوزٌ ثريّة، لمن يلوذُ بكم، ويدعوكم للشفاعة، ينالُ مُرادَهُ”.
حنية لبيت الشهداء في كنيسة الطهرة بالموصل2
ثمة درج عريض ملاصق لباب قدس الاقدس يسمى قسطروما – فيه تتم قراءات العهد القديم ورسائل بولس الرسول، اما الانجيل فيقرأ في الوسط. كما يوجد ممر ضيق يدعى شقاقونا يُفضي الى البيما وهي منصة stage عريضة عليها تتم صلوات الصباح والمساء. في وسطها توضع منصة عليها الصليب وكأنها “الجلجلة” حيث صلب المسيح. في يمين البيما يوجد كرسي للاسقف يجلس عليه اثناء الصلوات ومقاعد للكهنة ورئيس الشمامسة الذي يوزع الأدوار على الشمامسة الموزعين الى كودين منصة – الفردي والزوجي. يلتفون كحلقة حول منصة عليها مخطوطة كبيرة (حوذرا- تحوي صلوات الصباح والمساء. اتذكر ذلك في مسكنته.
البيما في كنيسة ام الاحزان في بغداد
كما توجد عارضتان من المرمر في وسط الكنيسة للتناول كما في كنيسة الطهرة بالموصل
عارضة التناول
اما صحن الكنيسة فكان النصف الاول للرجال والنصف الآخر للنساء يفصل بينهما سياج (محجر) خشبي او حديدي يبلغ ارتفاعه متراً واحداً تقريباً. اليوم لا يوجد فصلٌ ولا حاجز.
اُدخلت التماثيل في زمن البطاركة اليوسفيين واسلافهم وكذلك استعمال الصليب وعليه المصلوب، وصور مراحل درب الصليب. حاليا تميل كنائسنا الى استخدام ايقونات جميلة ومعظمها من صنع الفنانين العراقيين.
في فناء الكنيسة يوجد ايوان يسمى بيث صلواتا فيه كانت الصلوات تؤدى من عيد الصعود الى الأحد الأول لتقديس الكنيسة، بسبب الحر اذ لم تكن موجودة وسائل التكييف.
الخلاصة: حالياً، هذه الريازة المعقدة غير موجودة في كنائسنا. الموجود هو قداس الاقداس والمذبح الكبير باتجاه المصلين ولا توجد ستارة، ثم البيما -المنصة حيث تتم الصلوات وقسم من القداس، ولقد اعدناها في جميع كنائس بغداد. في البيما يوجد كرسي الاسقف ومقرأتان واحدة للعهد القديم والثانية للعهد الجديد كما ان الصلبان هي ممجدة ومن دون المصلوب ومعظم كنائس بغداد تستعمل الايقونات الفنية بدل التماثيل الجبسية.
مخطط للهندسة الكنسية الداخلية4
_____
1 ابن العبري، التاريخ الكنسي، ابولوس ولامي، لوفان 1872-1877 ، مجلد 2 ص 257
2 صور كنيسة الطهرة مقتبسة من مقال د. زهير رحيمو: الدير الأعلى وكنيسة الطاهرة بين الماضي الشامخ والحاضر المحزن ،المنشور على موقع Syriac Press بتاريخ 13/5/2021
3 ساكو ، سير البطاركة ، بغداد 2020 ص 106
4 التصميم مقتبس من كتاب المطران جاك اسحق الصلاة الليتورجية على مدار السنة الطقسية لكنيسة المشرق الكلدانية – الاشورية 2011 ص 61.