الأحد الأول لتقديس الكنيسة: من أنا؟
البطريرك لويس روفائيل ساكو
نبدأ هذا الأحد موسم تقديس الكنيسة. والتقديس عنوان هذا الموسم وختام السنة الطقسية. فالتدبير الإلهي يهدف إلى تقديس الكنيسة، أي الجماعة الملتفة حول يسوع المنبعث، والمدعوة إلى نقل إنجيله إلى العالم بروح المحبة والخدمة، جماعة حية ومتألمة تسعى لتقتدي بعريسها، يسوع المسيح.
القراءات
الأولى من إشعيا النبي (6: 8 – 13) تنقل دعوة إشعيا النبي وتجاوبه مع نداء الله وسط صعوبات كثيرة.
والثانية من الرسالة الأولى إلى اهل قورنثية (12: 28 – 30، 13: 1 – 8) تصف الخِدم المتنوعة في الكنيسة، وتتمَحوَر كلها حول المحبة والخدمة.
والثالثة من إنجيل متى (16: 13 – 20) تنقل إيمان بطرس بالمسيح، وكيف أن المسيح حمَّله مسؤولية قيادة الكنيسة.
الحدث يحصل في نواحي “قيصرية فيليبس” وهي منطقة بعيدة عن متناول الجمهور. لقد أحب يسوع أن يختلي بتلاميذه ليكوِّنهم. فسألهم عن أراء الناس عنه: “من تقول الناس أنى أنا”. أراء الناس مختلفة ليس فيها عمق. انها تفكر انه: “أحد الأنبياء، مثل المعمدان، إيليا، ارميا”. هذه أفكار طيبة لا تذهب إلى الأبعد، والأعمق. لذا يعود يسوع يسأل تلاميذه الذين يعيشون بقربه ويُفترض أن لهم معرفة به: “وأنتم من تقولون أني أنا؟” فيأتي جواب بطرس عفوياً وقوياً: “أنت المسيح ابن الله الحي”. استحسنَ يسوع جوابه، لأنه خلاصة الإيمان به. فطوَّب بطرس على هذا الإيمان “طوبى لك يا سمعان بن يونا”.. ومن خلال بطرس يعطي يسوع الطوبى لكل المؤمنين به.
بالرغم من ضعف بطرس البشري، يبدو قوياً بإيمانه وثقته، أليس هو نفسه من قال حين أخذت الجموع تترك يسوع: “يا رب الى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟” (يوحنا 7/68).
على هذا الإيمان العميق والثابت يجيب يسوع: “أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كتيستي”.
يسوع يؤسس كنيسته على بطرس، أي على صخرة إيمان بطرس، وليس على قول الناس – الرمل. وبذلك يصبح اسمه بطرس مناسبة للتعليم، ويعطيه سلطة التعليم والقيادة والمغفرة. والاهم من ذلك كله، يؤكد له انه يحفظ الكنيسة ويصونها: “وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”.
كما يتوجه إلى التلاميذ “كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاء، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاء” اجل هذه قدرة الكنيسة وسلطانها.
كل واحد منا هو عضو في الكنيسة، ويمثلها ومسؤول بشكل أو بآخر. لذا يتوجب علينا ان نرافقها في محطات حياتها الأرضية ومن خلالها نرافق يسوع المسيح. وما أحلى الأعضاء حين يتكاتفوا ويتحدوا ويتعاونوا من أجل خير الجسد كله وتمجيد الله. من لا يعيش مع الجماعة – يفتقر، لا يختبر الحضور الثري للمسيح والجماعة، مثلما حصل مع توما الرسول الذي لم يكتشف المسيح الحي إلا حين انضمَّ إلى الجماعة. أن أكون حاضرا يعني أن أنمّي العلاقات: محبة، شركة، واحدة، ثبات، تحمُّل المسؤولية، والتزام، بالرغم من الاختلافات والصعوبات، وليس باسلوب النقد والتهكم والشماتة. هكذا ينبغي أن نتأقلم مع الواقع الجديد، مثلما فعل الرسل بعد القيامة بدلاً من التشبث بالنمط القديم الذي لا يتلاءم مع الواقع الجديد، فالضمان هو: اتِّباع الكنيسة.
لعلّ النور المنبعث من القائم من بين الأموات ينير بصائرنا، فنرى روعة رسالته، وننجذب اليها ونعيشها، ونعكسها حولنا حباً وسلاماً وفِداء.